سقم المجالس
تدعى إلى وليمة أو ( سهرة) وتجد أن المدعوين إليها من المثقفين والمبرزين في عدد من التخصصات ، وقد يتأخر الطعام، وقد تكون للمائدة ذيول طويلة ، فتجد أن المجلس قد يمتد إلى ساعتين أو ثلاث ساعات وتحدث المشكلة حين يزيد العدد على عشرة ، حيث تجد آنذاك أن كل اثنين أو ثلاثة استغرقوا في حديث جانبي ، وأحياناً يكون معظم المدعوين من المعلمين أو الأطباء أو التجار… وحينئذ فإن هموم المهنة ومشكلاتها هي التي تستأثر بمعظم حديث الناس ، وتصبح الجلسة عبارة عن فرصة لينفث المصدور ويفضي المهموم بهمومه من غير أن يحصل على أي فائدة ، ويصبح بذلك المجلس مملاً وكئيباً وغير مفيد. في بعض الأحيان يبحث أحد الحاضرين عن موضوع يتحدث فيه الجميع ، و يعتقد أنهم يستفيدون ، وفي الغالب فإنه يطرح قضية عامة تتصل بالتخلف والتحضر، وتضرب بتشعيباتها في التاريخ أو في العلاقة مع الغرب أو في المقارنة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية ، وقد تكون هذه الموضوعات هي أفضل ما يمكن لمثقفين متعددي التخصصات والانتماءات أن يتحدثوا فيه ، لكن المشكلة أن الموضوع يكون كبيراً جداً والذين يعتقدون أنهم يجيدون الحديث فيه هم كل من في المجلس أو جلهم ، وكثيراً ما يحظى المجلس بشخص صاحب ذاكرة قوية ، يحفظ الكثير من القصص والحكايات والأرقام التي تؤيد وجهة نظره ، فيندفع في الحديث كالسيل الهادر، ويرفض التوقف لأي سبب! في بعض الأحيان يكون في المجلس متخصص في القضية المطروحة ، لكن لا يعطى الفرصة للتحدث في اختصاصه، ويعامل من قبل الحاضرين كما يعامل البعيد جداً عنه ، تعلو الأصوات ، وتكثر المقاطعات ، وتتكون تحالفات صغيرة داخل المجلس حول كبار المتحدثين فيه ، وينفضّ المجلس بعد ذلك وقد تعكرت القلوب ، ولم تستنر العقول…!
وأنا أشعر أن المشكلة تتركز في الانطباعات التي يخرج بها الشباب والفتيان الموجودون حيث يشعرون أن آباءهم غير قادرين على الاتفاق على أي شيء ، وقد يكتشفون سطحية في الطرح لدى بعضهم وتزييفاً في عرض الأدلة والوقائع عند آخرين، مما يزيدهم حيرة وإحباطاً.
هذا هو الواقع فكيف نعالجه…؟
هذا ما سأعرض له في الرسالة القادمة بحول الله وطوله.
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم د.عبد الكريم بكار