من يملأ الفراغ
فإن كثيراً من أهل الغيرة يشكون مما صار إليه حال كثير من المسلمين من التقليد لغير المسلمين ومتابعتهم في أمور سيئة كثيرة ، وهم من أجل الخلاص من ذلك يعظون وينصحون ويؤنبون ، ولكن المردود لكل ذلك دائماً محدود. أعتقد أننا في حاجة إلى فهم سنة الله ـ تعالى ـ في هذا الشأن حتى يتضح ما الذي علينا فعله ؛ يقولون : إن الطبيعة تكره الفراغ ، وهذا القول مهم فيما نحن فيه ، إذ إن الإنسان يحب أن يفهم جذور الأشياء ،والأحداث ، ويحب أن يفهم عللها ، كما يحب أن يعرف العلاقات التي تربط بين كل ما ذكرناه ، وهذا الحب أو الظمأ يبحث دائماً عن الارتواء ، وسيظل الإنسان يبحث عما يروي ظمأه ، ويخلِّصه من حيرته وتساؤلاته ، وحين يظفر به فإنه سيعتقد أنه جيد ومناسب إلى إن يأتي من يُثبت له أنه ليس كذلك من خلال تقديم بديل له ، وعلى سبيل المثال ، فإن المسلم إذا لم يجد في تراثه وفي بحوث المسلمين المعاصرين له المعلوماتِ التي توضح طبيعة المراهق وكيفية التعامل معه ، والأسلوب الذي ينبغي أن يُتَبع في توجيهه …. فإنه سوف يبحث عن ذلك في مكان آخر، وسيتقبل معظم ما يقوله له الآخرون عن هذا الموضوع ، ولن يتخلى عنه إلا إذا قام باحثون مسلمون ، وأثبتوا من خلال البحث والاستقراء والتحليل … أن ما قاله غير المسلمين في هذا الشأن غير صحيح أو غير دقيق ، وأن الصحيح والدقيق هو كذا وكذا ، في هذه الحال فإن المسلم المطلع سوف يوازن بين الرؤيتين ، وبعد ذلك فقد يمزج بينهما ، وقد يميل إلى إحداهما ، ما دامت المسألة قابلة للجدال والاختلاف . ما الذي يعنيه هذا؟ إنه يعني شيئاً واحداً هو أنه ليس أمامنا سوى خيار واحد هو (الإبداع) حيث إننا كلما أبدعنا في إيجاد ما نحن في حاجة إليه استغنينا به ـ ولو جزئياً ـ عما لدى الآخرين ، وإذا لم نفعل ذلك ، فلا نلومن العامة وأشباههم من تقليد الآخرين ومتابعتهم في أساليب عيشهم ، هذه هي الحقيقة الواضحة والمؤلمة : إما الإبداع وإما التبعية. نعم إن الكف عن البحث والاجتهاد والإبداع سيعني الركون إلى التقليد وليس هناك من يمكن أن يُقَلـَّد سوى أولئك الذين يصنعون الأشياء ، ويولِّدون الأفكار والنظريات والمفاهيم .
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم د.عبد الكريم بكار
في 24 / 11 / 1430