ذئبان آخران
صحَّ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : (( ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسدَ لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه )) إذ إن الحرص الشديد على كنز المال ونيل الشرف والوجاهة يجعل من المرء شخصاً دنيوياً مادياً وجريئاً على الوقوع في محارم الله ، وهذا ظاهر وواضح .
وقد أحببت اليوم أن أشير إلى ذئبين ظلا يفتكان باستقامة المسلم وسموه وكرامته في معظم مراحل التاريخ ، وهذان الذئبان هما: الجهل والجوع .
إن الجهل كان هو السائد في معظم الأوساط الإسلامية بسبب عدم وجود ما يكفي من الأطر لتعليم الناس وبسبب عدم وجود ارتباط واضح بين العلم والرزق ، مما جعل كثيراً من الناس لا يحرصون على طلب العلم .
العلم هو النور الذي يضيء كل جوانب الحياة ، وحين يختفي أو يخفت فإن الذي يملأ الفراغ حينئذ هو الظلام مصطحباً معه الخوف والارتباك والخرافة والأساطير وضيق الأفق …
أما الجوع فإنه يستخرج أسوأ ما لدى الإنسان : العزلة والضعف والجمود والدناءة وقبول الذل والمهانة والنفاق …
إن الذي ذكَّرني بهذه المعاني ما رأيته من ثوار مصر الأحرار حيث إن معظمهم متعلمون ومن أبناء الطبقة الوسطى ، أي أنهم نجوا من ضغوطات الحاجة الشديدة ومن لهو المترفين الذي يخافون من أي تغيير، ويُذهبون الكثير من الوقت في تنمية ثرواتهم والاستمتاع بها ! .
إن الجائع يقول : ـ كما قال عبد المطلب ـ : أنا رب إبل وللبيت رب يحميه ، أما الشباب المتعلم والناجح فإنهم يتطلعون إلى حماية البيت ، ينظرون إلى النهوض ببلدهم على أنه مشروع شخصي لكل واحد منهم . هذه الحقيقة لم تصل بعد إلى الحكومات التي سعت إلى تفادي ما حصل في مصر وتونس عن طريق طرح المشروعات وزيادة الرواتب ، وأنا أجزم أن ذلك لن يجدي نفعاً،ولن يسكِّن هائجاً، وهو نوع من الهروب إلى الأمام أوهو تأجيل للإجابة على الأسئلة الأهم، إن الذي يقطع دابر الاحتجاج هو إشاعة العدل وتكافؤ الفرص ومكافحة الفساد وتوسيع مجال المشاركة السياسية… وكلي أمل أن تتضح هذه الحقيقة قبل أن تعم الفوضى والاضطرابات بلاد المسلمين .
أسأل الله أن يُلهمنا رشدنا ، ويُصلح أحوالنا ؛ إنه سميع مجيب .
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة
أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم د.عبد الكريم بكار
في 12/3/ 1432هـ