الإعصار الأخضر
لأول مرة في التاريخ نرى إعصاراً عاتياً لا يقتلع الأشجار ، ولا يخرب البيوت والممتلكات، بل إن الإعصار الذي نراه اليوم يبني ويسقي وينمي ، ويحرِّر ، ويُنعش العقول والأرواح .قد يئسنا من أنفسنا ، ويئس العالم منا ، فنحن على مدار قرون نقدم مثالاً للإنسان المرتبك الحائر الذي لا يعرف ماذا يريد ، ولا ما الذي عليه أن يفعله … خرج الاستعمار العسكري من ديارنا فعلاً، لكن ابتُلينا باستعمار من نوع جديد، إنه استعمار ذوي القربى الفاشلين في كل شيء إلا في إخافة شعوبهم وإذلالهم ونهبهم …
في لحظة بيضاء مشرقة انتفض الشباب النقي ليحطِّم الخوف واليأس والخنوع في أيام قليلة، إنه شيء مدهش بكل المقاييس . إن الشباب في مصر وتونس وليبيا … قد وجَّه لكمة تكاد تكون قاضية إلى الظلمة المتجبرين ، وذلك من خلال جعل من كنا نسميهم الغوغاء والعامة والمهمَّشين ثواراً أشداء ليس لهم مطالب سوي مطالب عموم الأمة ! أنا على ثقة بأن المارد قد خرج من القمقم، وصارت عودته إليه غير ممكنة ، وإن لهذا الأمر ما بعده فقد اكتشف الناس أن التغيير ممكن، وأن العيش بكرامة ليس باهظ التكاليف كما كان يُظن. الإعصار الأخضر هزم وأفكار كل أولئك الذي يظنون أنهم عن طريق القتل والتفجير يستطيعون تغيير الحكومات وإصلاح الأحوال ، كما هزم أفكار الجماعات التي تظن أنها عن طريق التنظيم السري تستطيع إحداث نهضة عامة ، حيث إن النهوض الحضاري لا يتم من غير تفاعل الجماهير العريضة .
جيلنا جيل الخيبة والتنظير الفارغ وجيل الدوران في الحلقات المفرغة ، وجيل الإعصار الأخضر هو جيل النصر والتحرير والإصرار والجرأة والتواصل الذكي ..
أسأل الله أن يبارك فيهم ، ويمدهم بمدد من عنده ؛ إنه سميع مجيب
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة
أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم د.عبد الكريم بكار
في 29/3/ 1432هـ