ابن البحر
لم يخطر في بالي في يوم من الأيام أن أشبِّه الإسلام بالسمك، وأن أشبِّه الحرية بالبحر حتى تأملت مطولاً فيما يُحدِثه القسر والإكراه، والتسلط من تشويه للإدراك وقتل للمعنى العميق للحياة .
السمك قنوع جداً فهو لا يريد من الآخرين سوى أن يتركوه حراً طليقاً في البيئة الطبيعية التي أوجده البارئ ـ جل شأنه ـ فيها.
السمك قادر بجهده الشخصي على كسب رزقه وحماية نفسه وتكاثر نوعه ، ومن الأهوال التي يواجهها في أعماق البحار يصبح أكثر قوة على الاستمرار في دورة الحياة وحين نضعه في حوض من أحواض الزينة نحرمه من الكثير من الأشياء حيث تصبح حياته فقيرة وكئيبة ….
هكذا الإسلام بيئته الطبيعية هي ( الحرية) فهو على المستوى المنطقي قادر على المجادلة عن قيمة ومبادئه وأحكامه ، وهو على المستوى الروحي يملك القوة الذاتية التي تساعده على استمرار الانتشار في الأرض، وهو لا يطلب إلا أن يُتاح للناس التعرف عليه ليؤثِّر في حياتهم ، بل يحوَّل مجراها ، ويجعل لها معنى . المحاربة للإسلام حين تكون في حدود الجدال الثقافي، وحين تكون مقيدة بشرف المخاصمة لا تضر الإسلام ، وإنما تستثير مكامن قوته وتصقله ، وتساعده على تجديد أدواته … ومن وجه آخر فإن الإسلام يعتمد في عمله على ما لديه من جاذبية ، وإن إكراه الناس على تبنيه يسيء إليه، وينفِّر الناس منه، ويدفع بالناس إلى أن يسلكوا مسالك النفاق والرياء، وقد ذكر بعض علماء السيرة أن النفاق نجم في المدينة بعد غزوة بدر حيث صار للإسلام من عة وشوكة، وصار لدى المسلمين العصا والجزرة …. وإن مما يلفت الانتباه أن قوله ـ تعالى (( لا إكراه في الدين )) جاء مباشرة بعد ( آية الكرسي ) التي حوت الكثير من صفات العظمة ودلائل القدرة للحي القيوم ، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن عظمة حق الله ـ تعالى ـ على عباده ، وعظمة المنهج الذي أنزله لا تقتضي حمل الناس على العبودية والامتثال ، إذ إن من ممارسة الناس لحرياتهم نحو هذا يُعدُّ من تمام الابتلاء .
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة .. أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم د.عبد الكريم بكار
في 29/4/ 1432هـ