سورية: جوهر الأزمة

لا أدري ما الذي أسمى به الوضع في سورية ، هل هو كارثة ؟ أو هو أزمة أو مشكلة أو معضلة .. أو ماذا ؟ وعلى كل حال فالأهم من الاسم  هو توصيف طبيعة المسمى ، وفي نظري أن جوهر الأزمة في سورية يتكثف في أمرين أساسيين : نظام لا يعترف أن في سورية شعباً، وشعب لا يثق في النظام الذي يحكمه، ولعلي أوضِّح هاتين النقطتين في السطور القليلة الآتية :

1- لا يعترف النظام أن لديه شعباً يستحق الاحترام أو ينبغي استرضاؤه أو عكس رغباته في السياسات المتبعة، وقد كشفت مجريات الأحداث هذا الأمر بشكل لا يقبل اللبس، وحين يستمع الواحد منا إلى وسائل الإعلام الحكومية والتي تدور في فلكها يجد تجاهلاً شبه تام للتظاهرات العارمة التي يبلغ عددها في بعض الأيام أكثر من ثلاثمائة تظاهرة، ويبلغ عدد بعضها نحواً من أربعمائة ألف متظاهر، إن كل هذه التظاهرات إما أنها غير موجودة أو هي عبارة عن مجموعات متناثرة هنا وهناك، ثم إن تلك المجموعات لها في الغالب مطالب اقتصادية وخدمية واجتماعية ليس أكثر حسب الرؤية الحكومية ! مع أن القاصي والداني يعرف أن بدايات المظاهرات كانت تطالب بالحرية والكرامة ومكافحة الفساد، لكن هذا انتهى منذ ثلاثة أشهر، وكل مطالب الثائرين موحدة اليوم في رحيل النظام ومحاكمة الذين ارتكبوا جرائم القتل من رموزه، لكن النظام لا يرى كل هذا ، ولا يتحدث عنه .

2- النظام لا يعترف أن في سورية شعباً ينبغي توجيه الخطاب إليه، والحقيقة أن هذا الموضوع قديم، وربما واكب ولادة النظام البعثي قبل نحو من نصف قرن، الخطاب في سورية موجَّه للخارج وللعالم الغربي عامة وأمريكا تحديداً ، ولهذا فإنه يفرض على الموظفين الخروج في تظاهرات مؤيدة مع ما في ذلك من إهانة للناس وتزوير للحقيقة حتى يرسل رسالة للخارج تقول: إن كان هناك من يعارض النظام، فهناك أيضاً من يؤيده، بل إن إعلام النظام يقول إن الشعب السوري يزيد على ثلاثة وعشرين مليوناً والمتظاهرون بضعة ألوف، والأغلبية الهائلة من الشعب صامتة، وهي مؤيدة للوضع الراهن وراضية به، وأعتقد أن وزير خارجية تركيا السيد أوغلو قد وجَّه ضربة قاسية للنظام حين قال في سياق الرد على ما ادعاه النظام من إصلاحات : (المهم ليس أن نقتنع نحن بإصلاحاتكم، كما أنه ليس من المهم أن يقتنع العالم الخارجي، إنما المهم هو أن يقتنع الشعب السوري بها)                          قد كان لهذا الكلام وقع الصاعقة على بشار لأنه يطلب منه أن يتحاكم إلى رأي شعب هو لا يؤمن بوجوده، ولا يكنُّ له أي قدر من الاحترام .

3- الشعب السوري لا يثق في النظام ليس بسبب أن كل مولود سوري يولد على ذلك، ولكن بسبب خبرة خمسين سنة من رصد المواقف والتصرفات، ونحن نعرف أن بناء الثقة يتم بشكل تراكمي، وقد سمعنا من السوريين من يقول : لماذا أصدق الآن نظاماً مارس الكذب علينا طيلة نصف قرن، وهو إلى هذه اللحظة يكذب كل يوم عشرات الكذبات، بل إن أحدهم قال: كيف أصدق دعوى النظام بأنه لا يحارب المتظاهرين ، وإنما عصابات مسلحة منتشرة في البلاد، وهو لا يصدق حتى فيما يذكره عن درجات الحرارة في النشرة الجوية ! .        الشعب السوري لا يثق بنظام الأسد وبما يدعيه من إصلاح لأنه يعاني من القتل، والتعذيب يومياً على أيدي أجهزته الأمنية، وليس هذا هو طريق إقامة دولة الحرية والعدالة والقانون .

في الختام لا أعتقد أن النظام قادر على الاعتراف بالشعب، كما أنه لن يكون قادراً على كسب ثقته لأن ذلك يعني ببساطة تفكك النظام إلى غير رجعة .

أ د عبد الكريم بكار

في 14/9/1432