القادة الجدد
ما يسمى بالربيع العربي أدخل تغييرات إيجابية كثيرة على عقول ونفوس الشعوب العربية التي مَرَّ بها وفتح أمامها آفاقاً جديدة، وكان من جملة الأمور المهمة التي أحدثها إعادة تشكيل الطبقة السياسية، بل يمكن القول : إنه كان وراء أهم التغييرات السياسية التي حدثت عبر مرحلة ما بعد الاستعمار، ومن الواضح أن الإسلاميين صاروا اليوم أحد أعمدة هذه الطبقة، على ما رأيناه في تونس وليبيا والمغرب، وما نراه اليوم في مصر، وهذا يحمل بالنسبة إلى الشعوب العربية بشرى خير، كما يحمل تحدياً جدياً لكل الجماعات والأحزاب الإسلامية التي صارت في واجهة المشهد السياسي اليوم .
وهذه بعض المقاربات لهذا الوضع :
1ـ بعض الإسلاميين وجدوا أنفسهم في بؤرة الحراك السياسي من غير سابق ثقافة أو خبرة سياسية، وبعضهم مارس السياسة منذ أمد لكنه اليوم يقود العمل السياسي في بلاده، كما هو الشأن في المغرب وتونس، وهذا في الحقيقة يحتاج إلى إدراك عميق لحاجات البلاد والعباد، ومن المهم في هذا السياق إدراك عدد من الأمور : ـ الجماهير تعودت التظاهر والاحتجاج، والديموقراطية الوليدة في بلدان الربيع العربي ستوفر المزيد من الفرص لذلك، ومن هنا فإن الناس الذين يهتفون اليوم لحزب من الأحزاب قد يهتفون ضده بعد شهر أو شهرين، كما أن من يمنحك صوته اليوم يستطيع سحبه منك في أي انتخابات قادمة .
ـ ما هو مطلوب من القادة الإسلاميين الجدد بعد أن صاروا في سدة الحكم مختلف تماماً عما كان مطلوباً منهم حين كانوا في المعارضة، إنهم باختصار مطالبون اليوم بما كانوا يطالبون به الحكومات السابقة، بل إن الناس يتوقعون الكثيرالكثير من الإسلاميين الذين كان سقف مطالبهم عالياً، وكان نقدهم حاداً .
ـ إن بعض الناخبين منحوا أصواتهم للإسلاميين تعاطفاً معهم بسبب مالا قوة من اضطهاد وإقصاء في المراحل الماضية، وبعضهم منحوهم أصواتهم كي يجرِّبوهم، ويروا ما عندهم من خطط وبرامج إصلاحية على أمل أن يجدوا لديهم ما فقدوه عند غيرهم، ولهذا تكاليفه واستحقاقاته الباهظة .
2ـ الشعوب تأمل في أن يقدِّم القادة الإسلاميون الجدد نموذجاً واضحاً في أمرين كبيرين :
الأول : النزاهة الشخصية والبعد عن استغلال الوظيفة لتحقيق مكاسب شخصية، أو مكاسب للأهل و العشيرة والجماعة والحزب .
الثاني : معالجة المشكلات المتأسِّنة التي عانت منها شعوب الربيع العربي في حقب وعهود متتابعة، ويأتي على رأس تلك المشكلات مكافحة الفساد والبطالة وتأمين انتعاش اقتصادي جيد إلى جانب بسط الأمن وترسيخ الاستقرار، وحفظ حقوق الناس وكراماتهم.
3ـ إن سياسة الشعوب وإصلاح أحوال العباد والبلاد تقوم في الرؤية الإسلامية على تقدير المصالح والمفاسد، ومن المعروف في هذا الصدد أنه يتم عضُّ الطرف عن المفسدة الصغيرة من أجل مصلحة كبيرة، كما أنه يتم غضّ الطرف عن المصلحة الصغيرة من أجل درء مفسدة كبيرة، والمباشرون للسياسة وأهلُ الخبرة والاختصاص في كل بلد هم الذين يقدرون ذلك، وإن العمل على هذا يتطلب فهماً دقيقاً للقوى والتوازنات القائمة على الصعيد الداخلي والإقليمي والعالمي .
4ـ إن مهمة الدعاة هي تبليغ الناس رسالةَ الإسلام على نحو كامل وواضح، وينبغي على الساسة توفير الأجواء التي تساعد على ذلك، وعلى الناس الذين فهموا الإسلام أن يقوموا بمطالبة الحكام بتطبيق أحكام الشريعة، كما أن عليهم أن ينتخبوا المرشحين الذين تنطوي برامجهم الانتخابية على ذلك، هذا هو المسار الصحيح، وعلى كل حال فإن الأولوية في ظني ستكون لتحسين الاقتصاد وترسيخ سيادة القانون وضمان الحريات إلى جانب إنعاش الجانب الروحي والأخلاقي وبعد ذلك يكون التقنين وسن التشريعات، فالإسلام مجموعة قيم، والقيم لا تُفرض، ولكنها تجذب الناس إليها من خلال تجسدها في سلوك الأخيار ومواقفهم.
د: عبد الكريم بكار