علم نفس النصر
يواجه أحرار سورية نظاماً قمعياً لا يتورع عن ارتكاب أكبر الموبقات، وفي حالة كهذه فإن من الطبيعي أن يشعر بعض الناس باليأس أو طول الطريق، وأن يعيد آخرون حساباتهم ليتحولوا من ناشطين في نصرة الثورة المباركة إلى متفرجين بل مخذِّلين، والحقيقة أن هناك ما يشبه الإجماع على أن سقوط النظام السوري هو مسألة وقت ليس أكثر، وأن التشبع باليقين بزوال الطغمة الفاسدة مع التشبع بمعاني النصر وروحه مما يساعد على التعجيل بذلك .
ولعلي أوجز ما أريد قوله في هذا الشأن في المفردات الآتية :
• الثوار في حاجة ماسة إلى الاعتقاد بأنهم على الحق البيِّن، فالنظام بكل المعايير الشرعية والدولية والإنسانية نظام فاشل وسيئ، ولا يملك شيئاَ من مقومات الشرعية الأخلاقية أو الدستورية، ولهذا فإن من يسعى إلى التخلص منه يقوم بعمل من أفضل الأعمال، بل هو جهاد من أعظم الجهاد لأن فيه إحياء للدين والعباد والبلاد، وليس هناك دليل أو منطق صحيح لمن يقول : إن ما تمر به البلاد عبارة عن فتنة، والقعود في القتن خير من الحركة، حيث إن الفتنة تعني اختلاط الحق بالباطل إلى حد عجز الناس عن اتخاذ قرار بتحديد موقف معين . وإذا كان النظام السوري الظالم والفاسد لا يستحق العمل لإسقاطه فأي النظم إذن يستحق ذلك ؟ .
• إن الثائرين في الشام قد وضعوا أنفسهم قي سياق عالمي يبعث الناس على التحرر من الطغيان والفساد وإن أفكار استرداد الحقوق والحريات والكرامات هي الأفكار التي يموج بها العالم الآن، ولهذا فإن النظام السوري يبحر ضد تيار عاتٍ بمجاديف متآكلة، وقد كان (فيكتور هوجو) يقول : فكرة آن أوانها جيوش لا توقفها .
• يدعي النظام أن أغلبية الشعب معه، بدليل المظاهرات الحاشدة التي تخرج لتأييده، وهذا الادعاء يهدف إلى توليد شعور لدى الثوار بأنهم قلة شاذة عن التيار العام . والحقيقة أن الثوار ليسوا قلة ففي آخر جمعة قُدًر عدد المتظاهرين بأربعة ملايين، أي أكثر من 50% من الذكور البالغين، ثم إن الراشدين في كل مجتمع هم دائماً قلة والأكثرية في أي مجتمع ليست هي الأكثر استقامة أو غيرة أو وعياً أو تضحية، ولهذا فالثوار الأحرارهم الفئة المنصورة بإذن الله التي يفاخر بها البلد .
• الثورة حتى تستمر في حاجة إلى طاقة متجددة، وهذه الطاقة ضرورية للثبات والصمود وتقديم التضحيات الجسام، وإن مصدر هذه الطاقة هو الإيمان بأننا على الحق ، واليقين بعظم ثواب الله ـ تعالى ـ لمن يُستشهد، ولمن كتبت له النجاة من بطش النظام المتجبر، حيث إن الثوار يعملون على إحياء نفوس شعب بأكمله واسترداد وطن مخطوف طال انتظار أهله لعودته، كما أن الوفاء لدماء الشهداء ودموع الأمهات والزوجات الثكالى يشكل حافزاً إضافياً للاستمرار حتى يأذن الله ـ تعالى ـ بنصر مبين .
• نحن على ثقة بأننا سائرون في طريق النصر، ويجب أن نحتفظ بهذه الثقة مهما طال الطريق . وأعتقد أن ثوار سورية يدركون هذا على نحو جيد ، ولهذا فإنهم قد حولوا احتجاجاتهم إلى مهرجانات احتفالية مشهودة، وأضفوا روح الطرفة على شعاراتهم كي يُظهروا للنظام الغاشم لوناً واضحاً من ألوان الثقة بالنفس، إنهم قد قدموا للعالم نموذجاً رفيعاً في الثبات والبذل غير المشروط .
• يحتاج استمرار الثورة إلى الإبداع والتجديد في وسائل ومظاهر التعبير عن السخط على النظام وعن الإصرار على زواله، وهذا التجديد يجب أن يشمل الشعارات المرفوعة والهتافات وأشكال الحركة في الشارع وأشكال التضامن بين الأهالي في مواجهة محنهم وكروبهم وأموراً أخرى من هذا القبيل، وينبغي على السوريين المغتربين أن يساعدوا إخوانهم في هذا.
• إشاعة روح التغافر والتسامح إحدى سمات صنّاع النصر العظيم، إن الانتقام من المخالفين والتضايق من القاعدين والمتخاذلين مما لا يليق بالمنتصرين، وكلنا يعرف موقف نبينا صلى الله عليه وسلم من كفار مكة حين قال لهم )) اذهبوا فأنتم الطلقاء )) . إن من المهم أن نستوعب أسباب كل أولئك الذين لم يقفوا إلى جانب الثورة، وأن نلتمس لهم شيئاً من العذر مع اليقين بأنهم سيلتحقون بها في يوم من الأيام، أو سيستفيدون منها في صورة من الصور وهم من قبل ومن بعد مواطنون، وسيكون لهم دور فاعل إن شاء الله في بناء الوطن والنهوض به، ولكن لا بد من الصبر وسعة الأفق والصدر .والله غالب على أمره .