مصير بلـــد
استطاع الشعب المقهور في سورية استغلال ما سمي بـ (الربيع العربي) ليبدأ ثورة تعد بحق من أعظم ثورات التاريخ المعاصر،وقد أبدى الناس في الداخل من الاستبسال والصمود ما أدهش العالم، وانتزع إعجابه،وما ذلك إلا لأن الشباب بحسه النقي وعقله المتوقد أدرك أن مرور الربيع العربي دون الاستفادة من روحه والطاقة الهائلة التي أطلقها قد يعني الخضوع للنظام المجرم في الشام نصف قرن آخر،وهذا في نظري هو المحرك العميق لكل هذا الجهد الذي يبذل اليوم من أجل نصرة الثورة السورية وبلوغها النهاية المأمولة، وأحب هنا أن أشير إلى الأمور التالية :
ليس هناك ريب في أن الثورة ماضية في طريق النصر،فالجيش الحر يتمدد يومياً في الأرض وعصابات النظام المجرم تتقلص،وحركة الانشقاقات تتسع حتى إن المنشقين صاروا يعدون بالمئات يومياً،وهكذا كلما مضى وقت إضافي أدرك المزيد من المخدوعين والمضللين في سورية طبيعة المعركة الدائرة على الأرض السورية .
بدأ شبابنا يفكرون في مرحلة (ما بعد سقوط النظام) وبدأوا بالفعل في الشروع في إنشاء عدد من المؤسسات التي تهتم بالجوانب المختلفة للحياة في سورية،وتقدم مؤسسة (وطن) نموذجاً واضحاً على هذا الصعيد،وهذا الاتجاه مهم جداً من أجل ملء الفراغ الذي يمكن أن ينشأ بعد سقوط النظام، ومهم لإعادة إعمار البلد الذي خسر على الصعيد الاقتصادي خسائر هائلة وجسيمة .
المكاسب التي تحققت للسوريين على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي فريدة وعظيمة بكل المقاييس حيث تم ـ بفضل الله ـ تحقيق درجة من التضامن والتآخي ودرجة من الثقة بين عموم السوريين ـ لم يتحقق نظير لها في تاريخ البلد على الإطلاق ـ في حدود علمي وتقديري ـ وهذه المكاسب هي التي تفرِّق بين الثورة وبين الانقلابات التي يقوم بها بعض العسكريين في هذا البلد أو ذاك .
الذي يقلقني الآن أكثر من أي وقت مضى شيئان : أ ـ الخسائر البشرية والمادية الناشئة من همجية النظام ووحشيته، حيث إن ملف الشهداء والأرامل والأيتام والجرحى والممتلكات المنهوبة والبيوت المهدمة والبنية التحتية المدمرة .. يكبر في كل ساعة، وليس في كل يوم !
ب ـ المجازر التي يرتكبها النظام وشبيحته والطائفة التي يعتمد عليها تزيد في الاحتقان الطائفي وتؤسس لثارات قد لا تزول إلا بعد مضي عقود، ومن الواضح الآن أن النظام يعمل ضمن خطة منهجية على قتل وإفقار وتهجير أهالي البلدات السنية الواقعة على خطوط التماس مع بلدات طائفته،وتلك التي تقع بينها،وما تم في دير بعلبة والحولة وأخيراً في( تريمسة) هو من هذا القبيل . إن ملف الخسائر البشرية والمادية ثقيل جداً،ومعالجته بعد سقوط النظام قد تحتاج إلى عشر سنوات،مما يعني إرهاق العديد من الحكومات التي ستتولى شأن البلد بعد سقوط النظام .
ما العمل ؟
هذا هو السؤال الجوهري الذي ينبغي ألا نملَّ من طرحه،وفي مقاربة أولية للإجابة عليه أقول: ليس لدىَّ جواب كامل أو شاف ولا حل ناجح ومُرْضي،لكن يمكننا على كل حال فعل الكثيرالكثير،ونحن نعرف أن حلول المشكلات منها ما يتطلب المال،ومنها ما يتطلب الجهد والتواصل وإعادة التنظيم،وإذا كان الحصول على المال ليس متاحاً دائماً ،فإن الجانب الآخر متاح ومطلوب في كل حين . وأعتقد أن مما تنبغي المبادرة إليه الآتي :
1 ـ التواصل مع الداخل أكثر وأكثر من أجل الوقوف على حقيقة ما يجري وتسديد العمل،وإن الكفاءات الموجودة خارج البلاد كبيرة،وعليها أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن .
2ـ آن للجيش الحر أن تكون له قيادة موحدة في الخارج وقيادة موحدة في الداخل، ويتم الآن بذل جهود على كلا الصعيدين، ولكن يمكن لتلك الجهود أن تكون بزخم أكبر .
3ـ على المجلس الوطني أن يزيد في تواصله مع الداعمين للحراك الثوري في الخارج من أجل زيادة فاعلية الدعم وجعله أكثر تنظيماً . 4ـ على القائمين على الثورة وداعميها والمنظرين لها المحافظة على دور (أم الولد) حيث إن الاحتقان الطائفي حين يصل إلى درجة معنية يجعل التفكير في مصير البلد ضعيفاً،ويصبح التفكير في الطائفة هو المسيطر،وهذا لا يليق بنا، وهو خطير جداً إلى درجة أنه يستطيع أن يجهض كل شيء . 5ـ لم يعد هناك مجال للشك بأن الثورة السورية تواجه مؤامرة دولية كبرى،والسفاح قد أخذ الضوء الأخضر للاستمرار في تدمير كل شيء،ومن هنا فإن علينا أن نعول على الله ـ تعالى ـ في تحقيق النصر ثم على إمكاناتنا الذاتية، وهي هائلة إذا تم العمل على تفعيلها واستثمارها بطريقة جيدة، كما أننا نحتاج إلى تواصل أكبر مع الشعوب العربية والإسلامية من أجل طلب العون منها،وفي هذا السياق يمكن أن نقوم بحملات كثيرة في كل مكان من العالم الإسلامي من أجل جعل بعض الأثرياء يتبرعون بـ 1 أو 2% من ثرواتهم،كما أننا نستطيع جعل أعداد هائلة من السوريين تلتزم بدفع 10 و 15 20% … من دخلها لصالح الثورة .
إن الجيش الحر يستطيع حسم المعركة في حدود شهرين بحول الله، ولديه الكثير من الرجال والكثير من الخبرة، لكنه يحتاج إلى المال فقط حتى يكمل تحرير البلد، ومن غير المال فإن الحالة الراهنة قد تستمر شهوراً ، وسيشكل ذلك كارثة كبيرة على العباد و البلاد . نستطيع أن نفعل الكثير إذا توفر لدينا ما يكفي من الوعي والإرادة الصلبة .
والله الموفق
د. عبد الكريم بكار
في 25/8/1433