الثورة السورية : إدارة المعطيات
ليس من الغريب القول : إن الثورة السورية المجيدة تمثل واحداً من أهم الأحداث التي وقعت في العالم العربي والإسلامي عبر التاريخ، وذلك بسبب حجم التغييرات الهائلة التي أحدثتها في النفوس والعقول وبسبب الآثار التي يمكن أن تترتب عليها في المستقبل القريب والبعيد …والحقيقة أن التحدي الأساسي الذي يواجهنا بعد سقوط النظام المجرم هو إدارة المعطيات الجديدة والحفاظ على وحدة البلاد وحماية نسيجها الاجتماعي من التمزق . السؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف سيتم ذلك، ومن الذي يقوم به ؟ ولعلي أحاول الإجابة على ذلك في مقاربة أولية غير مكتملة : 1 ـ علينا في البداية أن نعترف أولاً، أن الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي علينا أن نعالجها كبيرة وخطيرة، وهذا فيما أظن لا يحتاج إلى برهان لكن يجب استحضاره والعمل من الآن على بلورة صيغ للتعامل معه . 2 ـ التحدي الأكبر الذي يحتاج إلى جهد كبير في مواجهته هو بسط الأمن على كافة ربوع البلاد حيث إن من المتوقع أن يكون لدينا فراغ أمني من شأنه تشجيع أعمال السرقة والسطو والثأر والانتقام، وهذا يقتضي أن يتم تدريب من يمكن تدريبهم من كتائب الجيش الحر على القيام بأعمال الشرطة من الحراسة وتعقب المجرمين ومنع النزاعات المسلحة، وهذا يمكن البدء به من هذه اللحظة . 3 ـ النظام المجرم آثار الكثير من الضغائن والأحقاد وأوجد الكثير من الثارات من خلال الجرائم التي ارتكبها الجيش ومن يسمونهم الشبيحة، ومن هنا فنحن في حاجة في الحقيقة إلى تشكيل مجالس ولجان تشيع جو الطمأنينة بين كل مكونات المجتمع، وتجعل الكل يشعر أن من سيعاقبون ويطاردون هم المجرمون من كل الطوائف، وأن الأبرياء المسالمين يجب أن يلقوا العناية والحماية مهما كان انتماؤهم الديني أو المذهبي أو العرقي، وتلك اللجان يجب أن يتم تشكيلها من كل المكونات، وأعتقد أن هذه الفكرة باتت ناضجة وربما شهدت بعض التطبيقات العملية قريباً . 4 ـ إعادة الإعمار هي الأخرى من التحديات الكبرى حيث إن ما لا يقل عن 30%من أبنية البلد صار مهدماً على نحو كامل أو جزئي، كما أن البنية التحتية قد أصيبت بالكثير من الأضرار، وحين نتتبع الجهود المبذولة على هذا الصعيد، فإننا سنجد أن لدينا العديد من المنظمات والجهات وفرق العمل المهتمة بهذا الشأن، لكن الملاحظ أن التنسيق فيما بينها شبه معدوم مما يجعل تكرار الجهود وعدم التركيز من الأمور المتوقعة، ولهذا، فإن من الأهمية بمكان عقد مؤتمر جامع للمتطوعين في إعادة الإعمار، وذلك من أجل تكوين اتحاد لهم وتقسيم العمل عليهم عبر لجان ومكاتب دائمة . 5 ـ حين يكون لديك جياع ومشردون وجرحى … فإن الاهتمام ينصرف إليهم على نحو كلي، ويتم إهمال كل ما هو من قبيل التثقيف والتدريب والتأهيل للعمل في خدمة قضايا تتطلب استعدادات وإمكانيات عالية ! ويؤسفني القول : إن معظم مؤسسات العمل الخيري في العالم الإسلامي تسلك المسلك نفسه حين تنفق معظم ما لديها من مال فيما يُبقى المسلم على قيد الحياة، وليس فيما يرتقي به، ويساعده على الاستغناء عن المساعدة والمساهمة في النهضة بالحياة العامة ! . إن اللاجئين السوريين في المخيمات يعانون من فراغ كبير، وكثير منهم نزحوا من قرى نائية لم تنل إلا القليل من التعليم والمعرفة، ومن ثم فإنني أعتقد أنه يجب تخصيص 7% من جميع الأموال التي يتم جمعها من أجل إنفاقها في تثقيف الناس بشيء من أمور دينهم وشيء من المفاهيم والأساليب التي تساعدهم على الارتقاء بأنفسهم وتربية أبنائهم وفهم العالم من حولهم … وهذا يتم عن طريق توزيع بعض الكتب الجيدة عليهم ومن خلال إقامة الدروس العلمية والدورات التدريبية وحلقات النقاش والورش المتخصصة … إن هذا الأمر يستحق تشكيل مؤسسة أو فريق من أجل إنجازه بحسب ما تسمح به الإمكانات والظروف السائدة . 6 ـ راج الحديث في الأيام الأخيرة عن التفاوض والحوار من أجل إيقاف القتل والتدمير الذي يمارسه النظام، ومع أنني قلت منذ البداية: إن هذا النوع من الأنظمة غير قابل للإصلاح ولا فائدة من محاورته، مع هذا أقول : إن الثوار في الداخل هم الذين صنعوا الثورة، وهم الذين يدفعون ثمن استمرارها، ولهذا فإنه ينبغي أن نشاورهم وننسق معهم في أي مبادرة تهدف إلى إنهاء القتال، وعدم التنسيق قد يعني شق الصف والدخول في أمور لا تحمد عقباها . إن الثورة السورية أحدثت في البلد وفي المنطقة ما يشبه الزلزال، وإن تداعياتها ستستمر مدة طويلة، وإن من المهم التعامل مع ذلك بحكمة وشفافية ووعي عميق.