سورية : البداية عنوان
الحرب الظالمة التي يشنها النظام المجرم على الشعب المظلوم طال أمدها، وأوجدت الكثيرالكثير من المعطيات المأساوية، وهذه المعطيات تتطلب منا نوعين من العمل : نوعاً ناجزاً وسريعاً مثل إمداد الجيش الحر بالسلاح والذخيرة ومثل تقديم الطعام للجوعى والدواء والعلاج للجرحى والمرضى ، ونوعاً بعيداً المدى قد يتطلب منا الاستمرار فيه عقوداً وعقوداً من الحركة الدائبة، وأفضِّل أن أتحدث اليوم عن النوع الثاني عبر المفردات التالية : 1. إن حجم الجرائم المرتكبة في سورية هائل جداً، وستجد أي حكومة ستتولى حكم البلاد بعد سقوط النظام البائس نفسها بين خيارات حرجة جداً، إذ إن من الواضح أن من غير اليسير تطبيق ما يمكن أن نسميه (العدالة الصماء)لأن ذلك قد يؤدي إلى تقسيم البلد إلى دويلات متناحرة، وذلك بسبب الأعداد الهائلة من القتلة واللصوص الذين سيجدون من يحميهم ويدافع عنهم من أبناء طوائفهم ومناطقهم مما يعني أن المحاكمة ستكون لكبار المجرمين فقط، وهذا لن يرضى كثيراً من الناس لأنهم سيشعرون أن من آذوهم لم ينالوا حقهم من العقوبة الرادعة، مما سيدفعهم إلى الثأر والانتقام وأخذ حقهم بأيديهم، وهذا قد يؤدي إلى فوضى عارمة، وإلى اقتتال داخلي واسع النطاق . 2. قال أحد جنرالات الحرب العالمية الثانية : إن الحرب الثانية لمتكن خطأ لكنها كانت نتيجة عشرين سنة من الأخطاء، وأقول : إن ما يجري في سورية هو ثمرة سبعين سنة من الأخطاء والغفلة وسوء التقدير … 3. علينا أن نعترف أننا أهملنا معالجة الآثار المترتبة على التنوع الكبير في البنيان الاجتماعي، كما أهملنا ما كنا نلمسه من انقسام حاد بين المكونات الاجتماعية مما سهَّل على الساسة توظيف المجتمع في خدمة السياسة، فصار كثير من الناس عبارة عن ألعوبة بأيدي الطامعين في السلطة وكنز الأموال . 4. لدي تخوف من شيئين خطرين الأول هو : بقاء أعداد كبيرة من المجرمين دون أي عقاب بسبب ما تتطلبه معاقبتهم من تكاليف وأعباء سياسية واجتماعية، والثاني هو تغلب العاطفة على كثير من أقرباء الضحايا وممن عذبوا في السجون ومن انتهكت أعراضهم وهدمت بيوتهم … مما سيعني قتل الكثير من أقرباء من لا تصل أيديهم إليه من المجرمين والسفلة . إن الله جل وعلا حذر أشد التحذير من قتل النفس البريئة حيث قال : (( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً )) ويقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)). إن علينا أن نعلن دون كلل أو ملل أن حرصنا على معاقبة المجرمين ينبغي ألا يقل عن حرصنا على حماية الأبرياء بقطع النظر عن انتماءات هؤلاء وأولئك، لأن مثل هذا الإعلان يساعد على تطمين أولئك الذين يقاتلون مع النظام خوفاً مما يمكن أن يقع لهم بعد سقوطه . 5. قبل أيام تمكنا من حشد عدد جيد من الثوار، وقمنا بانتخاب قيادات مجالس للسلم الأهلي في جميع المحافظات السورية وتم تشكيل المجلس السوري للسلم الأهلي والمكون من رؤساء المجالس المحلية، وذلك بغية معالجة الأخطاء التي أدت إلى حدوث المأساة السورية القائمة والمتفاقمة، ومن أجل منع حدوث حالات واسعة من الثأر والانتقام مما يهدد وحدة الكيان ويحول الثورة من حلم جميل إلى كابوس ثقيل . إن تلك المجالس عبارة عن عناوين لأعمال كبيرة نأمل من الله ـ تعالى ـ أن يوفقنا للقيام بها على طريق درء الأخطار المحدقة بالبلد وأهله . إن السير خلف العاطفيين وضيقي الأفق وقصيري النظر لن يؤدي إلا إلى المزيد من الخراب والدماء، وهذا ما ينبغي تجنبه بكل وسيلة ممكنة.