سورية اليوم والغد
لا أظن أنني في حاجة إلى التأكيد بأن الثورة السورية المجيدة نعمة عظمى من الله – تعالى – وهي تشكل أهم منعطف تاريخي في البلد عبر قرون عدة، كما أنني لست في حاجة إلى التأكيد بأن الإيمان بقرب الخلاص من النظام لم يكن أقوى رسوخاً في يوم من الأيام منه في هذا اليوم، لكنني أود أن أضع النقاط على الحروف في بعض المسائل التي تتعلق بحاضر الثورة ومستقبل البلد من خلال المفردات التالية :
1. إن الثورة هي عمل علاجي للانحرافات السياسية والاجتماعية المتأسنة في البلد، والعمل المسلَّح هو عمل جراحي لاستئصال تلك الانحرافات، الثورة في كل بلد هي عمل تدعو إليه الضرورة، وهو مقبول مع أنه يفتح الباب على الكثير من القلاقل، وقد يؤدي إلى إزهاق الأرواح وتوقف الاقتصاد، وقد يؤدي إلى شيء من الفوضى، ولهذا فإن تقصير أمد الثورة يجنب البلد الكثير من الأضرار . وإذا كان العمل المسلح من أجل تغيير النظام يشبه العمل الجراحي، فهذا يعني أنه يجب عدم اللجوء إليه ما دام ذلك ممكناً، وإذا كان لا بد منه فيجب أن يكون محدوداً وتجميلياً، وذلك لأن الذي تعلمناه من تاريخ الثورات هو أن إزهاق الأرواح يكون مع الثورة السلمية دائماً أقل، كما تعلمنا أيضاً أن استخدام السلاح قد يؤدي إلى تكوين مجموعات مسلحة غير منضبطة، بل ربما تتحول هي نفسها إلى مشكلة تحتاج إلى حل .
2. من المهم أن نكون على وعي بأن ما يتطلبه نجاح الثورة من حماسة وتصلب مغاير في كثير منه لما تطلبه مرحلة ما بعد الثورة، إذ تكون الحكمة والاعتدال والمصالحة والتفاوض هي الأشياء المطلوبة، وهذا يعني أنه يجب أن تكون لنا عين مفتوحة على الثورة وأخرى مفتوحة على ما بعدها، وهذا يعني أيضاً أن حماسة الثوار واندفاعهم نحو الخلاص من النظام الفاسد والمفسد ينبغي أن يظل مؤطراً بالحرص على المؤسسات والمرافق العامة وعلى الحفاظ على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي . هذا الكلام ليس مثالياً، كما أنه ليس من باب الفلسفة والتنظير المعزول عن الواقع، وإن النظر إليه على أنه كذلك يشكل خطورة على طريقة تفكيرنا في إدارة الثورة، كما يشكل خطورة على رؤيتنا لسورية المستقبل .
3. قد قام النظام بتشريد مثقفي البلد وعلمائه من ذوي الضمائر الحية منذ عشرات السنين، وإني أعتقد أن الثورة في حاجة اليوم إلى حكمتهم ورؤيتهم الثاقبة وإن من واجب كل المخلصين من العلماء والمفكرين والكتاب ومن يعدون من الشخصيات العامة أن يكثفوا الاتصال بالثوار في الداخل، وأن يناقشوا معهم كل التفاصيل، لأن الشأن الثوري وما يتمخض عنه يشكل مصير البلد، وهو أكبر من أن يترك للداخل أو الخارج .
4. لا يصح تحت أي ظرف ومن أجل أي معنى أو اعتبار أن نفقد (الكلمة السواء) التي تجمعنا، فالأوطان تتفتت، وتندفع نحو التطاحن والاقتتال والصدام حين تفقد القاسم المشترك الذي يجمعها، وإن علينا أن نتذكر أن قدر جميع السوريين بكل اتجاهاتهم وأعراقهم ومذاهبهم … هو أن يعيشوا في وطن واحد ويعملوا من أجل أهداف واحدة، كما علينا أن نتذكر أن أجدادنا قد عاشوا قروناً مع بعضهم دون أن يدخلوا في أي نزاع طائفي، وقد كان ذلك منهم يمثل إنجازاً عظيماً بكل المقاييس. نحن نستطيع أن ندعم القواسم والروابط المشتركة بشرط تذكر المآسي التي يمكن أن تلحق بكل واحد منا إذا تحولت طاقات الإبداع والبناء لدينا إلى طاقات للتخريب والاقتتال ،وبشرط عدم ترك الساحات الثورية والاجتماعية للغلاة والمتطرفين من كل الأطراف، حيث إن هؤلاء هم الذين يحجبون صوت العقل، ويثيرون العواطف الهوجاء التي تدفع في اتجاه التدمير والانقسام . نحن نريد للثورة السورية أن تقدم النموذج الذكي والنقي للتغيير والإصلاح وقلع جذور الفساد والاستبداد، وهذا لا يكون إلا من خلال ما يتحلى به الثوار والذين يدعمونهم من نبل وحكمة ورحمة وبعد نظر .
د . عبد الكريم بكار
في 2/3/ 1433