من المنهج إلى المذهب
يبدو لي أن العقل البشري مغرم بتحويل ما هو مبادئ وقيم وأنشطة وملاحظات إلى محتوى متماسك ومحدد، ومع الأيام يقوم الناس بتحويل ذلك المحتوى إلى مذهب له فلسفته وأصوله وأتباعه ومادحوه وذاموه….
ما أشير إليه حصل للتصوف والسلفية والعقلانية والفلسفة…
قد كانت الفلسفة عبارة عن جهود عقلية لإضفاء المنطقية على التفكير بالإضافة إلى البحث المعمق في الجذور والأسباب والسنن الكونية والعلاقات ومآلات الأفعال… ثم صارت مذهبا يذكر أصحابه في مقابل التجريبيين والنصوصيين والتقليديين وهذا أساء كثيرا لدور الفلسفة في الحياة الفكرية والمعرفية.
قل مثل هذا عن السلفية أيضا فقد كان المأمول أن تظل عبارة عن منهج في تمحيص الأدلة وترشيد التعامل مع اللغة وتبسيط المفاهيم وتوضيح غوامض الأحكام والكشف عن قدرة الشريعة الغراء على الاتساع لما يستجد من أحداث والإيمان العميق بأننا لا نقدم للناس معرفة نهائية في الفروع والنوازل….
لكن هذا للأسف لم يستمر كما أراده الأئمة العظام من أسلافنا حيث صارت السلفية لدى كثيرين مذهبا ينافس المذاهب الفقهية والعقدية السائدة مما سمح لأنصاف طلاب العلم بتحويل السلفية إلى عامل تقسيم وشرذمة للأمة عوضا أن تكون أسلوبا لديمومة الاجتهاد الفقهي وترشيده.
حدث مثل هذا للتصوف فقد كان عبارة عن نزوع للتخفف من المتع و الشهوات وتدريب للنفس على تحمل مشاق العبادة وتحقيق معاني الإخلاص والصدق والإحسان… ثم تحول لدى كثيرين إلى طرق لها رسومها وطقوسها ورمزياتها وضلالاتها وبدعها…بعيدا عن العقل والنقل.
الذي نستفيده من كل هذا هو أن الوعي في حاجة شديدة إلى اليقظة المستمرة وإلا تعرض للاستنزاف الخطير بسبب طول الأمد واختلاف الظروف والأحوال.
د.عبدالكريم بكار