المتأمل في مداولاتنا الفكرية في وسائل الإعلام ، وفي مجالس السمر ، وفي كل مكان يجد أن ما نردده اليوم من شكوى حول سوء أوضاعنا ، وما نطرحه من حلول هو عين ما ردده أسلافنا قبل أكثر من قرن من الآن . وإذا شئت أن تستوثق من ذلك ، فارجع إلى مداولات المؤتمر الإسلامي الوهمي الذي صوره لنا الكواكبي في كتابه ( أم القرى ) . ونحن إلى الآن غارقون في طرح المشروعات الحضارية التي نعتقد أنها ستخرج الأمة من مشكلاتها المتأسنة . وأملي أن نكف عن ذلك مؤقتاً ؛ فقد حصل لدى الناس تشبُّع من الحلول والمقترحات النهضوية ، وقد وصلوا إلى حافة اليأس والإحباط !
دعونا الآن نخطو في اتجاه طرح الأسئلة حول الحلول التي قدمت : لماذا نملك قدراً هائلاً من المشروعات والمقترحات والحلول لكل أدوائنا ، ونملك مع ذلك أضعف نتائج على الصعيد العملي ؟ !
قد يكون من المفيد أن نعقد لكل مشكلة كبرى جلسات لعصف الأفكار ، لا تُقدَّم فيها الحلول ، ولكن تثار فيها التساؤلات ، ونتداول فيها التعليلات بغية فهم أعمق لطبيعة المشكلات والأزمات التي تعاني منها الأمة . لا ريب أن طرح الأسئلة فن كبير ، وما يحتاجه من ثاقب النظر وواسع الخبرة لا يقل بحال عما يحتاجه تقديم الأجوبة والحلول . وليس من باب التشاؤم القول : إننا لا نملك الأدوات الفكرية والمعرفية التي تمكننا من طرح أسئلة عميقة ومعقدة . ونحن إذ ندعو إلى تكثيف طرح الأسئلة نأمل أن نرتقي في هذا المجال الحي ، ونمتلك عتاده المطلوب . إننا من وراء طرح مزيد من الأسئلة لا نطمع في قطع دابر الخلاف حول تحديد جوهر مشكلاتنا أو تحديد أكثرها خطورة ؛ فذاك أمر قد يكون عسير المنال في المدى المنظور ؛ لكن الذي نطمح إليه هو إيجاد أسس متينة للخلاف وبناء معقوليات وأطر تتحرك داخلها أقوال المتحاورين والمنظرين والمشخصين ؛ مما يضيق بدوره دائرة الخلاف ، ويقرب بين الأقوال المتباينة .
في جلسات عصف الأفكار يطرح كل واحد من المشاركين ما شاء من أسئلة وتعليلات دون أن ينقده أو يرد عليه أحد . ويقوم أحد المشاركين بتلخيص كل ما قيل وتوزيعه على الحاضرين ، وفي جلسة تالية يتم القيام بمناقشة حصيلة الجلسة السابقة وغربلة ما قيل فيها من أجل تحديد الأسئلة والتعليلات الأكثر محورية ، وتلك التي لاقت استحسان معظم المشاركين ، واستبعاد غير الجوهري . وإذا تم التحضير الجيد للموضوعات التي سيتم التساؤل حولها ؛ فإن ما يمكن أن نحصل عليه قد يكون أكبر بكثير مما نظن .
|