الثورة السورية : أذى المُحِبين (1)
قامت الثورة السورية المجيدة في سياق الربيع العربي، وكانت تهدف إلى ما هدفت إليه كل ثوراته : الخلاص من الظلم والاستبداد وإقامة دولة الكرامة والحرية والعدالة … وبما أن النظام الذي يحكم سورية يكاد يكون هو الأسوأ في العالم، إن لم يكن الأسوأ قطعاً، فقد طال أمد الثورة، وطول أمد أي ثورة لا يكون في الغالب جيداّ حيث تكثر الخلافات والتحزبات والاجتهادات والأخطاء …
ومع كل هذا فالسوريون ماضون في طريقهم إلى مبتغاهم غير آبهين بالخسائر الهائلة التي يتكبدونها كل يوم .
وقد أظهر الثوار من الرجولة والشجاعة، وأظهر الشعب السوري من التضامن والتضحية وعشق التحرر والانعتاق … ما لفت أنظار العالم، كما أثار تعاطف الأشقاء والأصدقاء، فصار همّ نجاح الثورة هماً عربياً عاماً، وزاد في ذلك التعاطف ما يقوم به النظام من قتل وتدمير غير مسبوق وغير معهود لأبناء الإقليم ! طول عهد الثورة وافتقارها إلى قيادة مدنية وعسكرية قوية بالإضافة إلى كثرة المتعاطفين معها، ثلاثة أمور تسيء إلى الثورة، بل تكاد تحرفها عن وجهتها الأصلية، ولعلي أشير هنا إلى الأخير منها حصراً.
نحن نشكو من تضخم الجيش الحر وكثرة أعداده، وهذا يعود أساساً إلى أمرين : قلة السلاح والذخيرة حيث إن معظم منسوبي الجيش الحر ليس لديهم أي سلاح ، كما أن زيادة أعداده على حد معين جعلتهم يتحصنون في المدن، فمساحة سورية صغيرة نسبياً، وتضاريسها لا تساعد على الاختباء والكمون وهذا دفع أفراد الجيش الحر إلى سكنى المدن، مما جعلها هدفاً لمدفعية النظام المجرم وطائراته ! وهذا يعني أهمية تخفيض أعداد المقاتلين وتحسين تسلحيهم وتدريبهم مع وضع خطط عسكرية ذكية وفعالة .
ونحن في هذه الحال أخذ الشباب العربي والمسلم الغيور على مستقبل الثورة والمحب لنصرة إخوانه …أخذ في التدفق على سورية من كل حدب وصوب وأنا مع حمدي وتقديري لنياتهم وإخلاصهم أعتقد أن ذهاب المقاتلين المسلمين من بلد إلى بلد ليس من الصواب ولا من الخير ، وما جرى في كل البلدان التي حدث فيها ذلك يؤكد ما أقوله، وهذا يعود إلى تعقيد الواقع وغموضه، فأبناء البلد قد يَجنَحون إلى حل سياسي، يرون فيه المصلحة، وحينئذ يجد الشباب الوافد أنفسهم خارج اللعبة، وحينئذ فإما أن يكون عليهم مغادرة البلاد وهذا صعب جداً عليهم ، لأنهم لا يعرفون إلى أين يتجهون، وإما أن يلقوا سلاحهم ويعيشوا مع المدنين بعيداً عن أهلهم وبلادهم، وفي هذا عذاب أي عذاب، وإما أن يتشبثوا مع ثلة قليلة من أبناء البلد بالحل العسكري، فيتحولون من نصير إلى عبء وأحياناً إلى عدو !
وعلى الرغم من كثرة تصريح الثوار في الداخل بأنهم ليسوا في حاجة إلى رجال، وإنما إلى مال وسلاح، وعلى الرغم من مناشدة كثير من أهل العلم للشباب بعدم التوجه إلى سورية إلا أن الشباب لم يصغوا إلى أحد، ودخلوا سورية وحملوا السلاح، وانضموا إلى المقاتلين هناك !
المشكل في هذا غير ما ذكرناه هو أن كثيراً من الشباب الذين وفدوا إلى سورية ينزعون إلى الوثوق الزائد في نجاعَة الحل العسكري، وينظرون إلى عقم التوجه السلمي وعقم الجهد المدني في ذلك، وهذا يشكل خطراً عظيماً على توجه الثورة ومستقبلها حيث إن السمة العامة للمقاتلين قد أخافت مناصري الثورة وداعميها، حيث إن تجارب أفغانستان والبوسنة والعراق والصومال مازالت ماثلة للعيان وفي بؤرة التفكير والتقدير، وهذا الخوف سبب رئيس في عدم إعطاء الجيش الحر الأسلحة النوعية التي تمكنه من حسم المعركة وسبب رئيس في شح الذخيرة الذي يعاني منه الثوار في طول البلاد وعرضها.
قد شاهدنا من الإخوة القادمين إلى سورية من رفع علم القاعدة على بعض الأبنية الحكومية المحررة، ومن نادى بضرورة إقامة الخلافة الإسلامية، وقد انتشرَّ في بعض المناطق مقولة فحواها : (أفكاري يحميها سلاحي) ويرى الذين يؤمنون بهذه الفكرة أن بذل المهج في سبيل الله ـ تعالى ـ لا معنى له إذا كانت قيادة الدولة بعد سقوط النظام ستؤول إلى قيادة غير إسلامية، وهذا كله يخيف كثيراً من الناس، ويجعل العالم والإقليم يتردد في دعم الثورة، كما أنه ينشر بذور الشِّقاق بين الثوار أنفسهم .
نعم قد يحتاج الثوار في الداخل إلى من يساعدهم مساعدة نوعية وخاصة على صعيد التخطيط والتدريب والتنظيم والتصنيع، ولكن الثوار هم الذين يحددون هذه الاحتياجات، وهم الذين يطلبونها، ولا أحبذ التدخل في هذه الأمور من غير طلبهم لأي كان .
الوضع ما يزال تحت السيطرة، ومع هذا فلابد لأهل العلم و الوعي من القيام بدورهم الإرشادي و التوجيهي على نحو أكثر فاعلية.
ملف الثورة السورية مشتبك مع عدد من ملفات الحساسة، ويجب أن ندرك تلك الحساسية حتى لا نخذل الثورة من حيث لا نشعر .
والله غالب على أمره .
د. عبد الكريم بكار
يتبع . في 8/ 11/1433