أمـــــة العطاء
حب الخير كائن في نفس كل مسلم، جملة كنت أَسمعها من كثيرين ، ولكني لم أكن أتبين حدود معانيها وحقيقة مدلولها حتى انفجرت براكين الثورة السورية المجيدة حيث بِتنا نرى، ونسمع ما يدل فعلاً على أن المسلمين لا يحتاجون حتى يعطوا العطاء المدهش إلا المحرض والإطار الذي يبذلونه له ومن خلاله .
قد أدرك السوريون بحسهم الفطري أن ثورتهم يتيمة، وأن الحماسة لنصرتها تكاد تكون معدومة ، فأخذوا يبذلون النفس والنفيس في سبيل استمرارها وانتصارها ..
حدثوني أن إحدى الأمهات السوريات لاحظت أن ابنها يكتب للسلطات تقارير بالمتظاهرين مما أدى إلى اعتقال وقتل عدد منهم ، فما كان من الأم إلا أن زجرته ونهته المرة تلو المرة ، لكن دون فائدة، فاتصلت ببعض حماة الثورة، واستقدمتهم إلى بيتها، وأخبرتهم بما يفعله ابنها، وقالت لهم: هذا ابني بين يديكم وهو الآن في نظري قاتل ،فإن رأيتم أنه لا يمكن كفه عن فعله الشنيع إلا بالقتل فاقتلوه !!
وهذه أم تقول لابنها الذي يؤدي الخدمة الإلزامية : يابني إذا أمرك الضابط بإطلاق النار على المتظاهرين فلا تطلق عليهم النار ولو قتلك ! .
وهذا أب لطفلين يتصل بي قبل أيام ويقول : أنا الآن لا أنفق من المال الذي يأتيني إلا ما يحتاج إليه البيت ، والباقي أرسله لمساعدة الثوار، لكني سمعت من يقول إن هذا غير كاف لإبراء الذمة، ولا بد من النزول إلى سورية للجهاد بالنفس، فماذا ترى ؟ !
وهذه امرأة نبيلة وزوجة طبيب كبير تطبخ ألوان الطعام، وتقوم ببيعها في الأسواق الخيرية لصالح الثورة ، وهذا رجل أعمال مرموق انصرف عن مشروعاته ليخرج من بيته من بعد الفجر ، ولا يعود إلا بعد العشاء ، وهو يسعى في مصالح الثورة …
قصص وحكايات كثيرة تنبئ عن حجم الزلزال الذي أحدثته الثورة في نفوسنا، وهذا في الحقيقة هو عربون النصر الذي ننتظره من الرب الكريم الحميد ، حيث إن الناس إذا غيَّروا لله ما يستطيعون غيَّر الله لهم تفضلاً منه وكرماً ما لا يستطيعون.
اللهم هبنا نصراً عزيزاً تقر به عيون أوليائك وتجبر به خواطر المظلومين والمضطهدين؛ إنك أنت السميع المجيب.
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. عبد الكريم بكار
16/4/1433