الأشد خطورة
كنت أتساءل عن أشد الأمور خطورة على وجودنا المعنوي وعلى مستقبلنا الدنيوي والأخروي، وخطرت في بالي أمور عديدة ، ثم وجدت أنه لابد أن يكمن ذلك في ( فقد الرسالة ) بمعنى أن يعيش الواحد منا من غير حمل هم عمل كبير يود خدمته أو شيء عظيم يريد إنجازه ، إننا حين نفقد الرسالة نفقد الاتجاه ونفقد الحافز على العمل النشيط ، وتمتلئ حياتنا بالتوافه والكثير من المتناقضات. هناك طلاب للعلم الشرعي لا يقيمون بعض الشعائر لأنهم لم يستطيعوا معرفة رسالتهم في الحياة ، وهي هداية الخلق وتعليم الناس بعد أن يكونوا قد تشربوا روح ومعاني وأخلاقيات ما يدعون إليه ، وهناك موظفون كبار يقودون شركات كبرى ، جمعوا ثروات كبيرة من خلال الرواتب والمكافآت المبالَغ فيها ، وشركاتهم على شفا الانهيار ، وما ذلك إلا لأنهم فصلوا مصالحهم عن مصالح شركاتهم ، ولوأنهم كانوا أصحاب رسالة لجعلوا نجاحهم أحد منتوجات نجاح شركاتهم ، وهناك آباء يملكون كل المقومات ليربوا أولاداً جيدين وناجحين ، لكنهم لم يفعلوا ، لأنهم لا يملكون صورة ذهنية للوضعية التي ينبغي أن يكون أبناؤهم عليها…
نحن أيها الأخوة والأخوات نملك فرصة عظيمة ، وهذه الفرصة هي ما تبقى من أعمارنا ، وإن من الغبن الشديد أن نضيعها في اللهو أو المعصية أو الانشغال بالأمور التافهة ، أصحاب الرسالات الحقيقيون يحملون في قلوبهم شيئاً من الهموم التي حملها الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام- هموم إصلاح المجتمع والنجاة في الآخرة وإضافة شيء جميل إلى الحياة. المشكل أن كثيرين منا يظنون أن حمل رسالة يعني تحملاً للمسؤوليات ويعني العطاء من غير مقابل ، ويعني تضحية غير مشروعة… وهذا كله صحيح ، لكن هؤلاء لا يعرفون عظمة اللذة التي يشعر بها الإنسان حين يتيقن أنه على الطريق الصحيح ، وأنه يدخر شيئاً مهماً لآخرته. إن المكاسب التي نحصل عليها هي مصدر لأفراح البدن ، أما ما نبذله ونضحي به فإنه مصدر لأفراح الروح…
تعالوا لنتذوق طعم مسرات الروح ، وأظن أننا إذا تذوقناه فسندمِن عليه ، ونتأسف على الأيام التي حرمنا أنفسنا منه.
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم د.عبد الكريم بكار