نقطة تجمع

حين فكرت في عنوان للمعنى الذي تحمله هذه الرسالة ، خطر في بالي شيء من قبيل : نقطة افتراق أو نقطة مفصلية ….

ثم قلت في نفسي يمكن أن نقول ما نريد، ولكن تحت عنوان إيجابي يمكن للقارئ أن يتقبله بسهولة.

نحن الآن في عصر التيه والتشتت وكثرة المشاغل الدنيوية ، وحين يكون المرء في حالة كهذه الحالة فإن احتمال نسيانه لأهدافه الكبرى ولمرشدات سلوكه يصبح قوياً بل طاغياً ، ولهذا فإن من المهم أن نتحسس باستمرار السمات والخصائص الثقافية والحضارية التي تحفظنا من الاندياح في مزالق الضياع .

نقطة التجمع التي أتحدث عنها تتعلق بالهدف الأساسي من الجهود الهائلة التي تبذلها البشرية على طريق التمدن والرقي العمراني والإنساني.

إننا نحن المسلمين نؤمن إيماناً عميقاً أن كل الإنجازات الحضارية والثقافية ليست أكثر من وسيلة لبلوغ هدف سامٍ وعظيم, هذا الهدف هو التحقق بمعنى العبودية لله – تعالى- والفوز بالتالي برضوانه والخلود في دار كرامته, وإن مما يشير إلى هذا المعنى قول الله – تعالى- : (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له… )) نحن نبني المصانع ونمهد الطرق وننشئ الحدائق, ونفكر ونكتشف ونبدع, ونبذل ونصبر, ونوالي ونفارق, ونتقدم ونحجم ونرفِّه أنفسنا من أجل إيجاد وضعيته وتوليد حالة نفسية يكون الامتثال معها لأمر الشرع أسهل.

إن من شأن الأهداف الكبرى أن تحدد معايير ومؤشرات طرق الوصول إليها, ومن هنا فإن النظر إلى الجهود الحضارية على أنها غاية في حد ذاتها يجعل أصحابه يسلكون طريقاً مختلفاً عن الطريق الذي نسلكه, كما يجعلهم يبنون رؤيتهم للحياة العامة على أسس غير الأسس التي بنينا, ونبني عليها, وفي المقابل فإن علينا أن نتعاون مع كل من يشاركنا في بعض ما نؤمن به من كون الحضارة وسيلة لا غاية, وعلينا أن نحاول معه تشكيل تيار روحي إيماني أخلاقي يواجه التيار المادي والإلحادي الذي يتجاهل أشواق النفس البشرية إلى الإيمان والخلود في الجنة والعيش من أجل هدف نبيل يستعلي على حاجات الجسد وضرورات البقاء.

وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته