تقييم الموجة الثانية للثورة
قبل نحو من ثلاث سنوات تداعى مجموعة من الناشطين السوريين إلى إطلاق ما أسموه وقتها الموجة الثانية للثورة وقد استجاب للفكرة وتفاعل معها قرابة ١٥٠ شخصا.
وقد كان الدافع إلى ذلك أمران جوهريان
الأول هو انسحاب أعداد كبيرة من الشباب من ميادين العمل الثوري نحو الانخراط في الأعمال الإنسانية من طبابة وإغاثة وتعليم وهذا مع أهميته لكنه لايساعد الثورة على النجاح بشكل واضح.
الثاني: هو انحراف الثورة عن وجهتها الوطنية والأخلاقية الأولى والجامعة فقد كانت الثورة كما هو شأن كل ثورات الربيع العربي _ تهدف إلى تحقيق الحرية والعدالة والكرامة إلى جانب الخلاص من الظلم والقهر والفساد والاستبداد.
أدلجة الثورة بتحويلها إلى ثورة إسلامية أو علمانية أو قومية أو عرقية هو الخنجر المسموم الذي طعنت به وما ذلك إلا لأن الأدلجة توزع الثوار إلى مسارات مختلقة بل إنها تحولهم إلى مجموعات متناحرة عوضا عن أن يكونوا حلفاء خيرين يسعون إلى خير البلاد والعباد.
الناشطون في الموجة حددوا لعملهم مسارات هي المسار السياسي و الإعلامي والميداني والحقوقي والشعبي وحاولوا استعادة الروح الأولى للثورة عبر شعاراتها ومفاهيمها ومطالباتها وقد بذلت جهود مشتركة مقدرة في تحقيق كل ذلك ثم خمدت روح الموجة الثانية إلى أن تلاشت.
السؤال الملحّ هو: هل نجحت تلك المحاولة النبيلة أو أخفقت؟
للجواب على هذا السؤال أقول من وجهة نظر شخصية بحتة: نعم ولا
نعم لأن الاجتماعات والأنشطة التي كانت تحت اسم الموجة قد توقفت على نحو نهائي.
أما(لا) فلأن الموجة بنت ثقة وعلاقات بين عدد لا يستهان به من الناشطين وهذه يمكن استثمارها وتفعيلها حين يأتي الظرف المناسب
أيضا الموجة الثانية ألهمت الكثيرين للقيام بأنشطة وربما تأسيس كيانات تعمل على عين الأهداف التي سعت إليها الموجة ولعل من آخرها مايقوم به بعض الباحثين والناشطين من بلورة للأساليب والأدوات التي تساعد على استرداد الروح الأولى للثورة.
إطلاق الموجة الثانية للثورة كان عملا نبيلا وعظيما بكل ما تعنيه الكلمة من معنى لكن القائمين عليه لم يستطيعوا تقديمه للناس بطريقة جيدة كما أن أهدافه لم تكن في اذهان القائمين عليه واضحة بالقدر الكافي وقد صاحب كل ذلك شيء من سوء التقدير لمدى التفاعل الذي يمكن أن تلقاه هذه المبادرة.
أقول في الموجة الثانية نحوا مما قاله إمامي صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول: ولو دعيت لمثله لأجبت.
د.عبد الكريم بكار